ارهاب المستوطنين المتصاعد- الضفة الغربية تحت الحصار، استراتيجيات الدفاع ضرورة

المؤلف: محمُود الرنتيسي11.03.2025
ارهاب المستوطنين المتصاعد- الضفة الغربية تحت الحصار، استراتيجيات الدفاع ضرورة

إن الأحداث المؤسفة التي شهدها مخيم نور شمس بمدينة طولكرم في الأيام القليلة الماضية، والتي تمثلت في اقتحام وحشي من قبل قوات الاحتلال وسقوط شهداء فلسطينيين، ليست مجرد حادثة معزولة، بل هي جزء لا يتجزأ من السياسة الممنهجة التي يتبعها الاحتلال. هذا الترويع المتزامن الذي يمارسه المستوطنون في أنحاء الضفة الغربية، والذي اتخذ منحىً غير مسبوق في ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية، يشتد وطيسه مستغلاً انصراف اهتمام الرأي العام نحو المأساة المتفاقمة في غزة، ساعيًا في الوقت ذاته إلى تفتيت أي مقاومة أو دفاع قد يبديه المجتمع الفلسطيني في وجه هذه الاعتداءات العسكرية المتواصلة وإرهاب المستوطنين الآثم.

من المحزن أن نرى كيف أصبحت عشرات المدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية هدفًا دائمًا ومنهجيًا لإرهاب المستوطنين، بتشجيع سافر من حكومة الاحتلال، وفي ظل غياب شبه كامل لأي آليات دفاعية قادرة على حماية السكان. الاعتداءات الشنيعة التي طالت مناطق عقربا بالقرب من نابلس، والمغير القريبة من رام الله، والطرق الواصلة بين أريحا ورام الله، وسكان قرية البادية المجاورة لمسافر يطا، وبلدات قرب طوباس، مثل يعبد والسيلة الحارثية، وغيرها من الهجمات المكثفة التي شنها المستوطنون على الفلسطينيين ومنازلهم ومركباتهم، كلها تؤكد تصاعد هذا الخطر الداهم، وتستدعي ضرورة إيجاد وسائل دفاعية فعالة لمواجهة هذه الاعتداءات الهمجية وكشف المخططات الخبيثة الكامنة وراءها.

لقد باتت مشاهد الاعتداء والعربدة والإرهاب التي يمارسها المستوطنون تجاه المجتمعات الفلسطينية في الضفة الغربية أمرًا مألوفًا يتردد صداه يوميًا في حياة الشارع الفلسطيني في معظم مدن وقرى الضفة. هذا الاستبداد قد تفاقم بشكل ملحوظ مع الغياب التام لأي رد فعل دفاعي حقيقي من جانب السلطة الفلسطينية ومؤسساتها الأمنية، لحماية أبناء شعبها وصد المستوطنين الذين تحولوا إلى جماعات منظمة، ولم يعودوا مجرد أفراد يقومون بأعمال فردية، وهو الأمر الذي يذكرنا بالمنظمات الصهيونية الإرهابية التي ارتكبت المجازر المروعة بحق الشعب الفلسطيني قبيل وأثناء عام 1948.

أصبح المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية مباحًا أمام إرهاب المستوطنين، في ظل إضعاف ممنهج لجميع أدواته الدفاعية، والغياب التام لأي دور فاعل للسلطة الفلسطينية بصفتها الجهة المسؤولة عن حماية الفلسطينيين والمؤسسة الأكثر تنظيمًا القادرة على مواجهة هذا الإرهاب. السلطة الفلسطينية متهمة الآن بالمساهمة في إضعاف قدرة المجتمع على الدفاع عن نفسه، وفي الوقت نفسه، لم تقم بتفعيل أجهزتها الأمنية لحماية مواطنيها.

في هذا السياق، عمدت السلطة الفلسطينية، عبر وسائل متعددة، إلى إضعاف ومنع انتشار خلايا المقاومة في الضفة، وعملت على تقويض حركات المقاومة في جنين ونابلس وطولكرم وغيرها، مثل مجموعات "فارس الليل" و"عرين الأسود" و"كتيبة جنين"، وهي الجهات الفلسطينية المنظمة التي كانت تضطلع بدور محوري ومتزايد الأهمية، بهدف أساسي هو التصدي لمشروع الاستيطان المتوحش في الضفة الغربية. بناءً على ذلك، ومع وجود نوايا خبيثة مبيتة لدى حكومة الاحتلال ومستوطنيها، وفي ظل ضعف القدرات الدفاعية، كان من الطبيعي أن تتزايد هجمات وإرهاب المستوطنين.

تصاعد الاعتداءات

وفقًا لتقارير مركز معلومات فلسطين، شهدت أراضي الضفة الغربية المحتلة تصاعدًا ملحوظًا في وتيرة هجمات المستوطنين. وقد وثق المركز خلال الفترة الممتدة بين 12 و 18 أبريل/نيسان 2024، حوالي 129 اعتداءً متنوعًا، شملت إطلاق النار المباشر على المواطنين الفلسطينيين، بالإضافة إلى إضرام النيران في الأراضي والمنازل والمركبات المدنية، والاقتحامات المتكررة للمدن والقرى الفلسطينية.

ووفقًا للتقرير ذاته، تباينت أعداد الاعتداءات من مدينة إلى أخرى. ففي رام الله، بلغت الاعتداءات 30 اعتداءً، أي ما نسبته 23% من إجمالي الاعتداءات المسجلة في مدن الضفة الغربية المحتلة الأخرى. وسجلت مدينة نابلس 21 اعتداءً، أي ما نسبته 16% من مجموع هجمات المستوطنين على القرى والمدن الفلسطينية. وفي الخليل، سُجِّل 19 اعتداءً، بينما تقاسمت 8 مدن فلسطينية أخرى نسبة 61% من اعتداءات المستوطنين، بواقع 78 اعتداءً خلال أسبوع واحد فقط.

وبحسب إحصاءات إسرائيلية حديثة، فقد ارتفع عدد المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة بنسبة 3% في عام 2023. ووفقًا لتقارير إحصائية، منها تقرير دائرة الإحصاء الفلسطيني، فإن أعداد المستوطنين في الضفة الغربية تتراوح بين 700 و 800 ألف مستوطن. ومن الجدير بالذكر أن نسبة كبيرة منهم، تصل إلى قرابة 35%، هم من الحريديم المتشددين دينيًا، وكذلك نسبة أخرى مماثلة لهم من الصهيونية الدينية، فيما يشكل المستوطنون العلمانيون حوالي 30%. هذا يشير إلى أن غالبية المستوطنين ينتمون إلى التيار التوراتي المتشدد الذي يفرخ باستمرار مجموعات عنيفة تقود إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية.

لقد باتت مشاهد الاعتداء والعربدة والإرهاب التي يمارسها المستوطنون مشهدًا مألوفًا يتكرر يوميًا في حياة الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية، وقد تفاقم هذا الأمر مع الغياب التام لأي رد فعل دفاعي حقيقي من جانب السلطة الفلسطينية ومؤسساتها.

جزء كبير من هذا التيار المتطرف يعتقد أن الضفة الغربية هي جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل، كما أن هذا التيار مستاء من عدم تبني الجيش الإسرائيلي لهذا الخيار بشكل كامل. وبالتالي، فإن هذا التيار يعمل جنبًا إلى جنب مع جيش الاحتلال في أماكن التقاء الأهداف، ويرى أنه لا بد أن يقوم بالعمل بنفسه، سواء من خلال الأعمال الإرهابية ضد القرى والفلسطينيين، أو من خلال الاعتداء على الأراضي الزراعية الفلسطينية، سواء بالمصادرة والسرقة، أو بتخريب المحاصيل واقتلاع الأشجار في مناطق مختلفة.

الأمر الذي زاد من خطورة هذا الوضع هو أن عددًا كبيرًا من أفراد الجيش في الضفة الغربية هم من خريجي المدارس الدينية، وبالتالي أصبح هناك نوع من التوافق والتعاون بين الجيش والمستوطنين، حيث يسهل الجيش أعمال المستوطنين، ولا يجد مشكلة في قيامهم بالهجوم على المدنيين الفلسطينيين دون سبب، أو في سياق الرد على أعمال المقاومة.

ومع وجود شخصيات متطرفة مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش في الحكومة الائتلافية للاحتلال، وازدياد وزن كتلتهم الانتخابية في الكنيست، فقد تم تسليح المستوطنين واستخدامهم كأداة لردع وطرد وترهيب المدن والقرى الفلسطينية. هذه المجموعات باتت مدعومة رسميًا من حكومة الاحتلال، وتعمل بالتنسيق مع عمليات الجيش الإسرائيلي، أي أنها أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الخطط الميدانية للجيش الإسرائيلي.

قبل وبعد الطوفان

بدأ إرهاب المستوطنين يتصاعد بشكل ملحوظ قبيل أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وقد تجلى ذلك بوضوح في هجماتهم الشرسة على بلدة حوارة في عام 2023. ومع الدعم الذي تقدمه الحكومة والأحزاب السياسية الإسرائيلية لإرهاب المستوطنين، والغطاء الديني الذي يمنح لهم من خلال فتاوى الحاخامات التي تحرضهم على الإرهاب والاستيلاء على الأراضي وطرد السكان وحتى قتل الأطفال، فإنه لا توجد أية متابعة قانونية لأعمال المستوطنين، ولا لوائح اتهامات ولا لجان تحقيق.

وبالطبع، في ظل التوجه الانتقامي الذي تتبناه حكومة الاحتلال بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول وتوزيع الأسلحة على المستوطنين في الضفة الغربية، كان من المتوقع أن تتسع رقعة عربدة المستوطنين وتزداد شراستها.

شهد عام 2023 أكثر من 340 نشاطًا استيطانيًا، تمثل في توسيع البؤر الاستيطانية أو الاستيلاء على أراضٍ جديدة في الضفة والقدس. (منذ بداية عام 2023 وحتى السادس من أكتوبر/تشرين الأول، تم تسجيل 139 نشاطًا استيطانيًا، ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول حتى 20 أبريل/نيسان 2024، تم تسجيل أكثر من 134 نشاطًا).

كما شهد العام نفسه أكثر من 2500 اعتداء من المستوطنين على الأهالي الفلسطينيين، وقد ازدادت هذه الاعتداءات بشكل كبير في الآونة الأخيرة (منذ بداية عام 2023 وحتى السادس من أكتوبر/تشرين الأول، تم تسجيل 1402 اعتداء، ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول حتى 20 أبريل/نيسان 2024، تم تسجيل أكثر من 1238 اعتداء).

وقد تم تهجير أكثر من 1800 فلسطيني من 19 تجمعًا سكنيًا كنتيجة مباشرة لاعتداءات المستوطنين، وذلك بحسب تقارير صادرة عن الأمم المتحدة. وهناك ⁠أكثر من 11 شهيدًا سقطوا على يد المستوطنين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول في الضفة الغربية.

قرية المغير نموذجًا

يمكن للقارئ أن يتخيل مشهدًا يضم 1500 مستوطن متطرف، مشحونين أيديولوجيًا ومدججين بالسلاح، يجوبون أزقة قرية المغير الفلسطينية، ويشعلون النيران في 40 منزلًا وسيارة، ثم في وقت لاحق يزداد عددهم ليصل إلى 2500، ويطلقون الأعيرة النارية على أي فلسطيني يعترض طريقهم.

وهذا ليس حال قرية المغير وحدها، بل إن قرى المزرعة وسنجل وترمسعيا وسلود والجلزون وغيرها بالقرب من رام الله، وبلدات بورين ودوما واللبن الشرقية ومجدل بني فاضل وعقربا وجوريش وجالود والساوية وقصرى القريبة من نابلس، قد تحولت إلى مسرح لجرائم المستوطنين. وأمام هذا النموذج المروع الذي لا يرغب أي فلسطيني بتكراره، تبرز الحاجة الملحة لوضع إستراتيجية دفاعية شاملة.

إستراتيجية دفاعية

إن تفكيك البنى المقاوِمة الصامدة في الضفة، وعجز السلطة الفلسطينية عن توفير الحماية اللازمة للمجتمع الذي هي مسؤولة عنه، قد سمح للمستوطنين بالتغول والتجبر دون حسيب أو رقيب. هذا الواقع المرير غير مقبول على الإطلاق، وإذا استمر على هذا المنوال، فإن تجرؤ المستوطنين سيزداد باطراد. لذلك، فإن جميع أبناء الشعب الفلسطيني ومؤسساته وقواه الحية مدعوون إلى إيجاد آليات فعالة لحماية المجتمع الفلسطيني في الضفة، ومنع المستوطنين من الانفراد بأي قرية أو بلدة. كما أن سياسة "تدفيع المستوطنين الثمن" عن إرهابهم، والتي سادت لفترة من الوقت في الضفة، قد أثمرت عن ردع نسبي لهم.

إن لجان الحماية الشعبية التي تضم أهالي كل بلدة وقرية يمكن أن تشكل نواة متينة في الدفاع عن القرى والبلدات في وجه هذا الإرهاب المتصاعد. كما أن عدم دفاع العاملين في الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية عن أهلهم وذويهم أمام هجمات المستوطنين يعتبر تقاعسًا وخيانة للأمانة، وسيكونون هم أنفسهم أحد ضحاياه مع تزايد تغول المستوطنين.

مع تزايد تسليح المستوطنين وتوسع تنظيماتهم الإرهابية، فإن الدفاع عن القرى والبلدات الفلسطينية وتزويدها بكل إمكانات الدفاع اللازمة بات ضرورة ملحة لا تقبل التأخير. وعلى جميع الأجسام الفلسطينية أن تتحمل مسؤولياتها كاملة أمام هذا الخطر الداهم. وفي السياق ذاته، لا ينبغي التعويل على النداءات الغربية أو بعض العقوبات الشكلية التي تفرض على جرائم المستوطنين، فهي لا تشكل رادعًا حقيقيًا لهم على الإطلاق.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة